دعوة لعلاقات ناضجة

أعلم يا صديقي كم هي مرهقة ومكلفة..

أعلم تلك الأوجاع والآلام وربما الجروح التي تسببت وتتسبب منها..

أعلم كم قاسيت من ترك وما شعرته وقتها..

أعلم كم عانيت من وجود دون معني، وكم توجعت من السطحية والإدعاءات والمسميات..

وكم تأذيت منهم سواء عن قصد أو بغير قصد، وكم من رسائل سلبية وصلت لك -رسائل موجعة وجارحة- ، من هؤلاء الأقربون اليك الذين أنت تحبهم و الذين تقدرهم، ولم تتوقع يوماً منهم إلا الخير والمحبة والقبول، لكنهم كثيراً ما كانو عكس توقعاتك..

أعلم كم خيَّب الآخرون أمالك، أعلم ذلك الوجع جيداً، لقد مررت به معك…

أعلم أنك تبغي تغييراً، أنت تدعوه “معجزة” . أعلم كم تشتاق لترى تلك المعجزة في دائرة علاقاتك، وأنت لا زلت تطمح بها وترجو حدوثها رغم كل ما أصابك..

أريدك أن تعلم جيداً أنها وزنة وهبة من الله لكل أنسان.. فنحن خُلقنا كائنات علاقاتية، أياً كانت دوائرنا، أهي الآن دائرة علاقاتية متسعة، أم هي دائرة علاقاتية صغيرة بعد وانت تحاول أن تجعلها اكثر إتساعاً ؟؟!

لكن يا صديقي تلك هي “العلاقات” التي فسدت كما فسد كل شئ بخطيئة آدم الأول..

لكن صديقي أريدك أنت خصيصاً أن تدرك، أنها سلاح ذو حدين.

أسمعني، أنا أعلم تساؤلك، أيريد الله أن يُرهقنا ويُوجعنا في هذة العلاقات ؟! وأن نمر بكم الآلام التي مررنا بها ؟؟ أخلقنا الله كائنات علاقاتية لنتأذي ؟؟! أجابتي بالطبع كلا، فهو كما تبغي أنت يبغي علاقات ناضجة مريحة تجد فيها نفسك مقبولاً محبوباً مقدراً وبدون أي شروط ورغم كل العيوب..

صديقي، أنا أؤمن أن الله وضعنا في حيوات الآخرين لكي نؤثر فيهم ولكي يؤثروا هم فينا، ولقد دعانا الله لذلك. وهو خلقنا علاقاتيين نبغي دائماً القرب من الآخرين ومعرفتهم والعيش معهم، فلا يمكن لنا أن نعيش أفراداً بدون وجود الآخرين ما ندعوهم ب “علاقاتنا”.

تتطلب منا أن نعاتب ولا نكتم بداخلنا، أن نواجه ولا نهرب بعيداً، أن نبادر ولا ننتظر مبادرة غيرنا، أن نقبل و نحب ونتحمل في كل مرة وكل موقف. نعم مرهقة.. لا تيأس انتظر النهاية..

لكن يا صديقي لكي ما نصل لتلك المرحلة علينا أن نجاهد في رحلة طويلة، وأن ندرك كم هي رحلة تتصف بالتضحية، نتخلي فيها عن راحتنا، نتخلي فيها عن الأسهل لنفوسنا، ونُعمل فيها عقولنا قبل مواجعنا، وأن ننظر إلي النتيجة التي سَنصل اليها التي نسعي لها ك “غرض أسمى” ..

عليك صديقي أن تفعل أنت أولاً ما يريد أن يفعله الآخرين معك، عليك أولاً أن تظهر لهم ذلك النضج والسعي نحو التغيير، كن أنت لهم مثالاً، كن لهم بيئة آمنه ووسط صحي وواعي لتقبلهم بعيوبهم واخطائهم وزلاتهم فيروا فيك ما نبغي وصوله، فيتغيروا..

أتعلم أن المحبة الحقيقة المؤثرة هي تلك التي تنبع من القبول مهما كانت حالة الطرف الآخر، فنحن تعلمنا عنها من “الودود” “المحب” “اله المحبة”، الله.

نعم، أنت مطالب أن تتغير أولاً لكي ترى تغيير حقيقي من حولك..

وأنت ايضاً مسئول عنهم، عن هؤلاء المقربون اليك وتحبهم، أذ أنت تراهم عن قرب تراهم بطبائعهم، مسئوليتك ودورك يتضمنان رؤيتك لعيوبهم وأخطائهم وزلاتهم ، وأن تذهب بكامل المحبة منك والقبول التام من داخلك لأشخاصهم، لتوضح لهم جوانب قد لا يرونها في أنفسهم، أو يرونها ولا يعرفون كيف يغيروها.

لا تصدق ما يظهرون من قوة، فكلنا أمام تشوهاتنا ضعفاء جداً، تكاد تلتصق أنفسنا بالتراب عندها، ونكون في أمس أحتياجنا لشخص يحبنا ويقبلنا، وقتها سنقبله أو سيقبلوننا.

آّسف للاطالة، لكن في النهاية أود أن أخبرك أنها رحلة رغم أرهاقها ممتعة، نستمتع فيها بأعماق جديدة مع هؤلاء الذين نحبهم، نبحر بداخلهم ونعرفهم أكثر، نتعلم عنهم ومنهم، وهم يبحرون بداخلنا أيضاً ليكتشفوننا فنتغير نحن وهم ايضاً يتغيرون.

أعلم صعوبة ما أطلبه منك، لكن أتنتظر آخرين غرباء يفعلون ذلك مع أحبائك ؟! من سيوضح لهم أن لم توضح أنت وتساعدهم ؟!

تذكر صديقي أننا دُعينا لنؤثر في دائرة علاقاتنا، تأثيراً حقيقياً مغيراً لحيوات الآخرين، أن كنت فقط تبغاه.

أني أسألك أن تتنازل لضعفه، أعطه محبة وقبول حقيقيين فيكشف لك نفسه ويقبل منك مساعدتك، لكن أحذر من الأدانة، ولا تنسي “بدافع المحبة والقبول”

ولا تنسي ايضاً أن تدعو لهم بالتغيير، وحين تأتي فرصة لتتكلم ويسمعوك حدثهم عن آمالك وعن رحلتك فيرغبون أن يعيشوها مثلك، عدني أن تفعل ذلك.

وتذكر أن “المعجزة الحقيقية هي التي يحدثها الله بداخلك”

صديقي سأدعو دائما في صلاتي من أجلك ولتتشدد وتكمل رحلتك، ودعائي سيستجاب، أني أثق.

ولحين أن نصل إلي ذلك النضج والوسط الصحي الواعي سنتحمل وسنجد مُعيناً يسندنا ويشدد من أزرنا، نعم هو الله يا صديقي، تأمل حياته معي حين كان متجسداً لنا في أرضنا، وأنظر ما فعل من أجل الآخرين حوله وكيف صان وزنه علاقاته وكيف غير و أثر في حياة كل من قابله أو عاش معه، أو بالأولي أتعرف لما تجسد ؟!

سننجح كما نجح هو، وهو أيضاً من سيحافظ علي نجاحنا بعد أن نصل، وستهون به ومعه رحلتنا، كل ما مرّ وما سيمرّ علينا.

لكن أياك أن تتوقف يوماً عن أن تكمل رحلتك الخاصة، وأن ضعفت لا تفشل فتتوقف، سنعافر يا صديقي حتي نصل.

أهداء لكل أصدقائي ممن يبغوا أن يسيروا تلك الرحلة ولكل من يبحث عن سنداً من آخرين متعافيين وناضجين حوله، ولكل من يبغي تأثيراً في حياة من حولة كما دُعينا.. ❤

فقط تذكر أن تنظر اليه لتتغير إلي تلك الصورة عينها، وتلك الصورة هي غرضنا الأسمي..

بقلم : ديفيد وديع